الدكتور: مصطفى ماموني علوي
جامعة ابن زهر – المملكة المغربية
مقدمة
تحدد النظرية معجميا في كونها “مجموعة من القواعد التي يقوم عليها موضوع أومهارة علمية”[1]. والنظرية عموما سواء كانت علمية أو أدبية فهي تنطوي على مجموعة من التأويلات والتقييمات النقدية التي تؤدي إلى شرح نصوص معينة وتفسيرها[2]. وفي ارتباطها بميدان الأدب خاصة فهي: عبارة عن خبرة معرفية مكتسبة من الدراسات والأفكار الخاصة بالأدب. ومن أهدافها (نظريةالأدب) تقنين معايير الخطاب الأدبي[3]. بمعنى أن النظرية تقوم بوظيفة تجلية الجانب الفكري والنظري للأدب. وهكذا ” نشأت في النقد الأدبي ونظرية الأدب، مجموعة من النظريات التي تعالج الأدب”[4].
تنطلق مقاربتنا لنظرية عمود الشعر من النظرة التي تعتبر الأدب سلسة من الأعمال الأدبية المرتبة حسب تسلسلها الزمني، والتي لا تنفصل عن مسار التاريخ. وأن النقد معرفة فكرية تهدف إلى التوصل إلى معرفة منظمة تتعلق بالأدب نفسه تسمى نظرية أدبية[5]. ونشير، كما اتضح فيما سبق، أن مصطلح النقد الأدبي كثيرا ما يستعمل عند الدارسين بمعناه الواسع بشكل يجعله يشمل على النظرية الأدبية[6]. وارتباطا بصيغة موضوع بحثنا نجد أنفسنا أمام نظريتين: نظرية شعرية عربية قديمة في شكلها الإبداعي و النقدي” عمود الشعر” عبر مسارها الزمني الممتد من العصر الجاهلي حتى أواخر القرن الهجري الرابع، ونظرية نقدية منهجية حديثة وهي “نظرية التلقي” بإشكالاتها وتطبيقاتها. ثم إن النظرية العربية المتحدث عنها هنا ليست جامدة، وإنما نظرية تقبل الإضافة والتغيير، كما تقبل الإختزال والإطناب عبر مراحل تشكلها، دون أن يؤثر ذلك في مكوناتها الجوهرية.
كما نؤكد في مقاربتنا منهجيا أيضا على المكونات أو العناصر المؤسسة لها تاريخيا اعتمادا على معايير الفعل الشعري التي يستند إليها الشعراء في صناعتهم، وكذا ردود فعل القراء/النقاد إزاء النموذج الشعري العربي. فقد أسهمت هذه التفاعلات بين الطرفين في تشكل نظرية عمود الشعر عند العرب على الرغم من الاختلافات في التوجهات أو الرؤى الشعرية. استجاب الناقد لهذا النموذج القديم بأشكال مختلفة: فقد استهلكه ونقده، أو أعجب ببعضه و رفض البعض الآخر، كما قبله وأوّله، وأخيرا استجاب له فأوله تأويلا جديدا نتج عنه خلق نص جديد. وبذلك تواترت قراءات متعددة ومختلفة للشعر العربي تاريخيا. ولمقاربة هذه القراءات سنعمد إلى تبني مقترحات جمالية التلقي التي تُعتبر بديلا يُشكل تحدّيا لنظرية الأدب وفق مبادئ نذكر منها:
- تحليل تلقيات النقاد للعمل الأدبي كل حسب أفق انتظاره؛
- الأثر الذي ينتجه النص في الناقد؛
- تحديد كل نص في السلسلة الأدبية أوالنقدية التي ينتمي إليها؛
- التوفيق بين النهج الدياكروني والسانكروني الذي يؤرخ لتلقيات النص؛
إن “ما يحدد عمق الممارسة النقدية وغناها أو ما يكشف عن ضحالتها ليس تبني هذه النظرية أو تلك، فالنظريات لا تحلل ولا تقول أي شيء خارج مسلماتها العامة، إن ما يحددها هو نوعية الأسئلة التي يضعها المحلل على النص”[7].
ففهم النصوص الشعرية وتأويل دلالاتها انسجاما مع المعيار الجمالي السائد يتوقف كما يرى ياوس H.R.Jaussعلى ما يوضحه قراء يتميزون بمرجعيات مختلفة من تفاعل جمالي ممتد. وانسجاما مع هذا الرأي شكل الآمدي، والجرجاني، والمرزوقي في تاريخ عمود الشعر سيرورة مطردة من التلقي والإنتاج الجماليين. وهذا يرتبط ارتباطا وثيقا بالأطروحة المركزية في جمالية التلقي عند ياوس التي تولي اهتماما كبيرا لأفق التوقع والأسس المكونة له، وهي[8]:
- التجربة المسبقة التي يتوفر عليها المتلقي/ الناقد في مجال الجنس الأدبي؛
- افتراض إدراك المتلقي لشكل الآثار السابقة وموضوعاتها مع ضبط علاقاتها التناصية مع إبداعات تنتمي نفس الفترة الزمنة، مع ما يتطلبه ذلك من ثقافة موسوعية لدى المتلقي تمكنه من إدراك التفاعل بين النصوص وتأويلها.
- إدراك التعارض القائم بين وظيفة اللغة الشعرية التخيلية ووظيفة اللغة اليومية العملية.
- نظرية عمود الشعر: عناصر التشكل
قبل الشروع في مقاربة هذه النظرية وفق ما سبق نقف عند العناصر التي تنتظم في إطارها نظرية “عمود الشعر” عند العرب كغيرها من النظريات[9]:
- السياق:
لاشك أن حياة الإنسان العربي منذ العصر الجاهلي قد شكلت أرضية خصبة ملائمة لتشكل نظرية عمود الشعر حيث استمد الشعر مادته من واقع الإنسان العربي وهويته. فتم الاهتمام بالقصيد، والاحتفال بنبوغ الشاعر في القبيلة، إضافة إلى المساجلات الشعرية في الأسواق الجاهلية التي كانت بمثابة الشروط الملائمة لظهور هذه النظرية، بل أعطاها إمكانية التطور بناء على خصوصيات المجتمع الجاهلي. فظهرت الدواوين الشعرية، والنقائض، والمعارضات، والموازنات، إضافة إلى مواكبة النقد العربي القديم للإنتاج الأدبي بمختلف تجلياته، والذي كان له الأثر الكبير في تقويم وتشذيب القصيد العربي.وبالرغم من تشكل الأصول الأولى لنظرية عمود الشعر في العصر الجاهلي، فإن الشروط الحضارية قد أسهمت في تطورها عبر القرون حتى القرن الرابع للهجرة.
نسق الشعر العربي:
يشير هذا العنصر إلى مجموعة من المبادئ والقواعد الخاصة المؤطرة لنظرية عمود الشعر، والتي تنطلق منها لرسم أفق تطورها المستقبلي. فالإنسان العربي يعرف حقيقة الشعر الذي يتطلب القدرة الفنية لأنه علمُه الذي لم يكن له علم من قبل. فهو “بوح وجداني، وتدفق للمعاني والأخيلة وسديم من العواطف وجيشان قلبي، وكم نغمي ينساب وداعة وإيحاء وتأثيرا”[10]. وقد أشار ابن سلام الجمحي إلى قيم هذا الشعر الفنية والجمالية، وخصوصياته الصناعية والثقافية التي يعرفها أهل العلم كما يقول: “وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم والصناعات: منها ما تثقفه العين، ومنها ما تثقفه الأذن، ومنها ما تثقفه اليد، ومنها ما يثقفه اللسان…[11]“. امتلك الشاعر قدرات فنية تسمح له بتقوية أدواته الحسية من البصر والذوق واللمس والشم والسمع، وربطها بمدلولاتها فكان قادرا على تصوير أحاسيسه الوجدانية والإنسانية.
في هذا النسق نما الشعر الجاهلي فكان وثيق الصلة بتضامن العرب الاجتماعي، وبمواقفهم الإنسانية، واختلافاتهم. لقد بحث الإنسان العربي عن مجتمع متماسك، فكانت اللغة الشعرية مظهرا من مظاهر هذه الوحدة والانسجام. يقول مصطفى ناصف: ” إن وحدة مستوى من مستويات اللغة تعكس -إذن- وجود أهداف مشتركة بل تعكس -على الحقيقة- صورة البحث عن أنظمة فكرية وشعورية أفضل”[12]. وقد عبر محمد بن سلام الجمحي عن هذا النسق أصدق تعبير بقولة:” وكان الشعر في الجاهلية عند العرب ديوان علمهم ومنتهى حكمهم، به يأخذون وإليه يصيرون”[13]. وهذا دليل على ارتباط الشعراء ارتباطا وثيقا بمجتمعهم واجتهادهم لبناء الحياة الجميلة فيه.
- التفاعل مع النماذج والنظريات الأخرى:
إن وضع المجتمع العربي القديم ودور علم الشعر فيه يجعل من النموذج الشعري المؤسس يدخل في علاقات حوار مع نظريات ونماذج ومفاهيم قريبة منه، مما جعله في تواصل تفاعلي دينامي منحه فرص التطور. يقول شوقي ضيف عن العرب قبل الإسلام: ” وإنما نحب أن نشير إلى ما قررناه من أمر اتصال العرب بالحضارات المجاورة لهم أولا، ومن أمر حضاراتهم التليدة الموروثة ثانيا(…) بدأت منذ شاء الله أن تبدأ، وانتهت قبيل الإسلام بزمن لا يعدو مائة، أو خمسين ومائة من السنين”[14]. ولا أدل كذلك من الشبه الذي وقف عنده ناصر الدين الأسد بين الشعر العربي الجاهلي والهومري في الصفات العامة للتعبير الشعري، حيث يتصفان بالنضارة والغضارة والبساطة[15]. ومن الثابت أن الشعر العربي ظل عربي النشأة، وكان للعرب اعتداد مطلق به على مر العصور، وفي القرن الثالث للهجرة ازدهرت حركة الترجمة إلى اللغة العربية فكان الانفتاح على الثقافات الأخرى. فكان الفارابي يسمى بالمعلم الثاني، دليل على أنه كما يقول ابن خلكان:” تناول جميع كتب أرسطو وتمهّر في استخراج معانيها والوقوف على أغراضه فيها”[16]. هكذا تمكن العرب من التفاعل مع غيرهم فأتاح لهم ذلك إمكانات التطور فظهرت نماذج فنية أو نقدية جديدة في العصر العباسي.
لقد سعت نظرة هانز روبرت ياوس jauss الجديدة لتاريخ النقد الأدبي في اشتغالها على أفق التوقع إلى تبني ثلاثة أزمنة صوريا لتلقي/ لتأويل الآثار الأدبية ذات الطبيعة الجمالية. هذه الأزمنة تولدت عنها ثلاث قراءات متتالية هي: القراءة الجمالية، والقراءة الاستعادية أو الإرجاعية، والقراءة التاريخية. وبعد استقراء تاريخ تلقي عمود الشعر عند النقاد القدامى خلصنا إلى استنباط ثلاثة نماذج قرائية أساسية أسهمت في بناء نظرية عمود الشعر عند العرب إبداعا ونقدا وهي:
- قراءة نقدية أولية تمثل الدهشة الجمالية، ويمثلها: الآمدي؛
- قراءة نقدية شمولية استعادية، ويمثلها: القاضي الجرجاني؛
- قراءة نقدية تحليلية تأويلية، ويمثلها: أبو علي المرزوقي.
إن الخطاب النقدي وهو يتناول أدبية الخطاب الأدبي عامة، أو عمود الشعر العربي خاصة قد يولد أدبيته الخاصة به، فيكون بينهما من التوافق والتناسب ما يجعل الخطابين في درجة واحدة من الجمال والإمتاع[17].
- تلقي عمود الشعر عند الآمدي: زمن الإدراك الجمالي (Perception esthétique)
يمكن تحديد موقف الآمدي (370 ه) من عمود الشعر العربي انطلاقا من موازنته بين شعرية أبي تمام وشعرية تلميذه البحتري. يقول الآمدي في طريقة العرب في نظم الشعر:” وليس الشعر عند أهل العلم به إلا حسن التّأتي، وقرب المأخذ، واختيار الكلام، ووضع الألفاظ في مواضعها، وأن يورد المعنى باللفظ المعتاد فيه المستعمل في مثله، وأن تكون الاستعارات والتمثيلات لائقة بما استعيرت له، وغير منافرة لمعناه، فإن الكلام لا يكتسي البهاء والرونق إلا إذا كان بهذا الوصف، وتلك طريقة البحتري”[18].
حدد الآمدي مفهومه للشعر كما رآه عند المختصين بالشعر. فخط عناصر “عمود الشعر” كالآتي:
- حسن التأتي؛ – قرب المأخذ؛
- اختيار الكلام؛ – وضع الألفاظ في مواضعها؛
- إيراد المعنى باللفظ المعتاد فيه المستعمل في مثله؛ – مجيء الاستعارات والتمثيلات لائقة بما استعيرت له، وغير منافرة لمعناه.
تشكل قراءة الآمدي للشعر العربي القديم زمن تشكل أفق القراءة الأولية، التي تترجم الدهشة الجمالية أو الإعجاب الفني لديه. فقد خلص منذ البداية بأن البحتري احترم مذهب القدماء في القول الشعري، وحَكَم له بالشعرية والشاعرية على خلاف أبي تمام ، بل نصَّ على أن البحتري قد التزم “عمود الشعر” قائلا: ” لأن البحتريّ أعرابيُّ الشعر، مطبوع، وعلى مذهب الأوائل، وما فارق عمود الشعر المعروف، وكان يتجنب التعقيد ومستكره الألفاظ، ووحشي الكلام (…) ولأن أبا تمام شديد التكلف صاحب صنعة، ويستكره الألفاظ والمعاني، وشعره لا يشبه أشعار الأوائل، ولا على طريقتهم، لما فيه من الاستعارات البعيدة، والمعاني المولدة”[19].
فالآمدي بناء على حكمه، منذ البداية، باتباع البحتري لعمود الشعر مهيأ من قبْل ليتلقى شعره بطريقة إيجابية لأنه اكتسب تجربة في مجال هذا النمط من الإبداع، أو أنه مناصر لهذا التيار ومدافع عنه. الشيء الذي جعله في تهيؤ ذهني ونفسي؛ أي أن هذا الشعر استجاب لأفق انتظاره بناء على انسجامه مع المعايير الجمالية التي تُكوِّن تصوره للشعر. ففضله على شعر أبي تمام من حيث “إنه أقْوَم بعمود الشعر” ــ حسب نظره ــ فخلق تصادما بين أفق انتظاره وأفق انتظار نص أبي تمام. فانشطر الأفق عنده إلى عنصرين:
- أفق ربط الإبداع الشعري بالنموذج الموروث عن القدماء، وآمن بعدم الخروج عنه. وهذا الأفق كان خاضعا لشروط البنيات المركزية في تأويل النص الشعري للبحتري.
- أفق اعتبر النص الفني مخالفا للقيم الجمالية، حيث فصل فيه الفعل الشعري عن القيم المألوفة. فكان هذا الأفق خاضعا لشروط البنيات المركزية في الدهشة الفنية وفي تأويله الاستعادي مما نتج عنه تصادم الأفقين؛ أفق انتظار الناقد، وأفق انتظار نص أبي تمام.
يقول رينيه ويليك: “إن النظريات والمبادئ والمعايير الأدبية لا تنشأ من فراغ: فكل ناقد في التاريخ توصل إلى نظرية عن طريق الاتصال بالأعمال الفنية ذاتها التي كان عليه أن يختارها ويفسرها ويحللها، وأن يطلق عليها في النهاية حكما”[20].
حاول الآمدي في قراءته للشاعرين قصدا من الناحية المنهجية أن يبرز حجج ( صاحب) البحتري وينوه بها في سياق القوة، في حين أنه يرِد حُجج (صاحب) أبي تمام في سياق الضعف. كما أن هذه القراءة تهم بعض خصائص الشعر دون غيرها عند الشاعرين لأن هناك خصائص كثيرة لم يشتركا فيها. يضاف إلى هذا القصد التجزيئي المعتمد في الاستشهاد بأشعارهما، وغير ذلك من النقط التي تثير انتباه القارئ في هذه الموازنة. إن شعر أبي تمام نمط جديد في الإبداع يختلف عن إبداع البحتري في المنهج والطريقة، وقد أشار الآمدي نفسه إلى ذلك عندما سئل البحتري عن نفسه وعن أبي تمام فقال:” كان أخوص على المعاني (مني)، وأنا أقْوَمُ بعمود الشعر (منه)”[21]. فهذا منهج فني بدأ في التشكل مع أبي تمام وغيره، له ميزاته وخصائصه، أملته الشروط الحضارية للمجتمع العربي. ولذلك نميل إلى الاعتقاد بأن قراءة الآمدي لأبي تمام والبحتري لا تخرج عن الصراع التاريخي بين القديم والمحدث والذي لا يمكن أن ينأى عن الاختلاف في المنطلقات والرؤى. فمخالفته لأبي تمام الذي يعتني بالمعاني دليل أن الشعر عنده صناعة لفظية أكثر مما هو عمل ينصب على المعاني. مصداقا لقوله: ” وحسن التأليف وبراعة اللفظ يزيد المعنى المكشوف بهاء وحسنا ورونقا (…) وذلك مذهب البحتري، ولهذا قال الناس: لشعره ديباجة، ولم يقولوا ذلك في شعر أبي تمام”[22]، لأن المكونات النصية في نص أبي تمام لا تستجيب لأفق توقعات الآمدي لأن النص استند إلى طاقات فنية، أو معايير جمالية لم يتسلح بها القارئ إزاء فهمه وتأويله للخصائص الفنية والجمالية الكامنة في المستويات التركيبية للنص.
يُظهر نسق قراءة الآمدي استحالة تجاوزه التقاليد الشعرية والنقدية التي تمجد القيم التعبيرية القديمة. فقد آمن إيمانا مطلقا بمقاييس الشعر القديم على مستوى ألفاظه ومعانيه، ولا ينوه إلا بكل ما يتصل بالقديم. فالأحكام التي أصدرها – على حد تعبير ياوس- تتضمن من ناحية حكم قيمة جمالي يستند مرجعيا إلى آثار مقروءة في السابق، ثم إلى مواضعات وتقاليد أدبية تتأسس عليها مرجعية النص والتلقي، الضمنية والصريحة على حد سواء[23]. لهذا أثار تلقي الآمدي لعمود الشعر ردّين فعليين مختلفين: رد فعل إيجابي مع البحتري لأن الناقد من أنصار اللفظ، ثم إنه شاعر مطبوع، وعلى مذهب الأوائل. ورد فعل سلبي مع أبي تمام لأنه شاعر الصنعة، يهتم باللفظ أكثر من المعنى. ويتحقق هذا النموذج الذي يدافع عنه الآمدي عند الأعراب/البدو المطبوعين من أهل الجاهلية والإسلام. وأعطى لنا أمثلة منهم وهم: أشجع السُّلمي ( ت295هـ)، ومنصور النَّمريّ (190 هـ)، وأبو يعقوب الخريمي( 212هـ) و غيرهم من المطبوعين. فالناقد لم يذكر أحدا من المحدثين، مما يعني أنهم خارج مفهومه لعمود الشعر.
هكذا اتخذ الآمدي في مقاربته لعمود الشعر اتجاها نقديا تطبيقيا عبر موازنته يستند فيه إلى مفهوم نموذجي للشعر لدى القدماء وتحديد خصائصه وطرقه ومذاهبه، فعبد الطريق لتوجهات تنظيرية وتطبيقية أخرى ستمكن هذه النظرية من التطور من مرحلة إلى أخرى، ومن جيل إلى آخر، محققة بامتدادها التاريخي ذاك سلسلة من القراءات التي تختزل اتساع الطاقة الدلالية المحايثة للعمل الشعري والتي تُحيَّن عبر مراحل تلقيها.
- تلقي عمود الشعر عند الجرجاني: التأويل الاستعادي (Interprétation rétrospective)
قرأ الجرجاني (ت 392ه) عمود الشعر عند العرب قراءة نقدية تجمع بين التنظير والتطبيق. استهل حديثه في كتاب “الوساطة بين المتنبي وخصومه” بتحديده لمعايير الشعر الجيد بقوله بأن الشعر: “علم من علوم العرب يشترك فيه الطبعُ والرواية والذكاء، ثم تكُون الدربة مادة له، وقوة لكل واحد من أسبابه؛ فمن اجتمعت له هذه الخصال فهو المحسن المبرِّز، وبقدر نصيبه منها تكون مرتبته من الإحسان”[24]، متخذا البحتري وبَعده جريرا نموذجين للشاعرين المطبوعين. وبعد تفضيله بين قصيدتي الصِّمة بن عبد الله القُشيري وأبي تمام الغزليتين، ينتقل إلى ذكر طريقة العرب في المفاضلة بين الشعراء قائلا: ” وكانت العرب إنما تفاضل بين الشعراء في الجودة والحسن بشرف المعنى وصحته، وجزالة اللفظ واستقامته، وتُسَلّم السَّبْق فيه لمن وصف فأصاب، وشبّه فقارب، وبَدَهَ فأغزر، ولمن كثرت سوائر أمثاله وشوارد أبياته؛ ولم تكن تعبأ بالتجنيس والمطابقة، ولاتحفِل بالإبداع والاستعارة إذا حصل لها عمود الشعر، ونظام القريض(…) فلما أفضى الشعر إلى المحدثين، ورأوا مواقع تلك الأبيات من الغرابة والحسْن، وتميُّزها عن أخواتها في الرشاقة واللطف، تكلفوا الاحتذاء عليها فسموه البديع، فمن محسن ومسيء، ومحمود ومذموم، ومقتصد ومُفرط”[25].
تشكلت القراءة الاستعادية أو الإرجاعية لدى الجرجانيى عبر تسويغ الدهشة الجمالية من خلال تغيير الأفق الذي فتح أمام التجربة الجمالية أفقا للفهم والتأويل. فقد استند إلى توقعاته المتنامية بمختلف أنماط النص الإبداعية فشملت قراءته مجموع النصوص الممكنة لعمود الشعر العربي. وهكذا حدد النص السابق موقف الجرجاني من نظرية عمود الشعر، والتي تنبني على عناصر ثلاثة وهي:
- عناصر تكوينية وهي: شرف المعنى وصحته، وجزالة اللفظ واستقامته؛
- عناصر تصويرية وهي: الإصابة في الوصف، والمقاربة في التشبيه؛
- عناصر إنتاجية وهي: البديهة الغزيرة/ غزارة البديهة والتي تفضي إلى كثرة الأشعار سواء منها الأمثال أو الشوارد.
توضح مضامين هذه العناصر مدى استعادة الجرجاني لوجهة نظر الآمدي من عمود الشعر، لذلك جاءت عناصر الجرجاني استمرارا لما ورد عند الآمدي، طورها ونظمها مع الاحتفاظ على خصوصيته في القراءة والمتمثلة فيما يلي:
ــــ أولا: خصائص عمود الشعر عند الجرجاني كانت مستمدة من مختلف النتاج الشعري بخلاف الآمدي الذي طبّقها على البحتري وأبي تمام فقط، متخذا البحتري نموذجا للشعراء القدماء من خلال التزامه بطريقتهم.
– ثانيا: لم يَتّهم الجرجاني أبا تمام بالخروج عن عمود الشعر، لكننا نجده يفضُل غيره عليه، مثلا عندما وازن بينه وبين الشاعر الصّمة. فبعد ذكر أبيات في الغزل لأبي تمام مدحها من حيث المعاني والصناعة، ثم فضّل عليها قصيدة الأعرابي الصِّمّة القُشيريّ .
– ثالثا: جاء تلقي الجرجاني لنظرية “عمود الشعر” أوسع مما جاء عند الآمدي من حيث إنه لم يستثني أحدا من الشعراء في أي عصر وفي أي زمان. ومعنى ذلك أن خصائص عمود الشعر عند الجرجاني تتوافر في الشعر الجيد كان قديما أو حديثا. فأدرج الشعر المحدث الذي يركب الصنعة البديعية، وفيه كما قال سابقا: ” محسن ومسيء، ومحمود ومذموم، ومقتصد ومفرط” على الرغم من أنه يرى عدم جدوى البديع عند الحكم على شعرية النص[26]. ولعل في هذا كله مقصدا لدى الجرجاني في وساطته. إن رفض الشعراء المحدثين عند الجرجاني يعني رفض شاعريته المتنبي أو شعرية. وهذا يخالف هدف تأليفه للوساطة. لذلك ظهر الجرجاني مخالفا للمتعصبين للقديم، لكن ليس مقصده أن يحاجهم ليدافع عن الشعراء المحدثين كلهم، وإنما غايته أن يلحق أبا الطيب المتنبي بالمحدثين المجيدين. فالناقد ” يسبقك إلى مدح أبي تمام والبحتري (…) حتى إذا ذكرت أبا الطيب ببعض فضائله، وأسميته في عداد من يقصر عن رتبته، امتعض امتعاض الموتور، ونفر نفار المضيم فغض طرفهُ وثنى عطفه، وصعر خده، وأخذته العزة بالإثم”[27].
إن فتح أفق القراءة والتلقي الجديد لدى الجرجاني مرهون بإكساب هذه النصوص الجديدة معاني محددة تتماثل وطبيعة المعايير الجمالية السائدة في عصره. وشرط التحقق هذا يكمن في مدى طواعية المكونات النصية لشعر بعض المحدثين لكي تستجيب لأفق توقعات القارئ أو القراء. “وهذا معطى يدفع القارئ ( الجرجاني) إلى نهج استراتيجية جديدة، مرسومة بدقة، يعيد من خلالها تشكيل آفاق جديدة لأسئلة مؤسسة على فهم تأملي أشد انضباطا من السابق؛ أي بما يؤهله لبناء الجواب الضمني الكامن خلف أفق النص المقروء”[28].
وفي هذا السياق، تبنى الجرجاني في اختيار الألفاظ والصور الفنية النمط الأوسط. يقول معلقا على “اللفظ السهل:” ومتى سمعتني أختار للمحدث هذا الاختيار وأبعثه على الطبع وأُحَسِّنُ له التسهيل، فلا تَظنّنَّ أني أريد بالسَّمح السهلَ الضعيف الركيك، ولا باللطيف الرشيق الخَنِثَ المؤنث، بل أريد النمط الوسط، ما ارتفع عن الساقط السوقي، وما انحط عن البدوي الوحشي”[29].
يبدو أن الناقد يعارض العودة إلى الألفاظ البدوية ويرى فيها تكلفا يطمس المحاسن، ويقترح تبني ” “النمط الأوسط” الذي يوفق بين التراث والتطور، بين عمود الشعر والبيئة الجديدة، وبه يستطيع أن يعترض على تفاوت أسلوب أبي نواس بين الجزالة والغثاثة، وعلى تكلف أبي تمام للأسلوب البدوي في بيئة حضرية – دون أن يجعلهما خارجين على عمود الشعر لأنه ألحق البديع به إلحاق دمج؛ لأن البديع في التحليل الأخير نتاج بيئة عربية استجاب لها الشعراء العرب في ممارساتهم الأدبية- شأنه في ذلك شأن العناصر الأساسية في عمود الشعر”[30]. كما يرفض الغلو في الوصف أو الاهتمام بالتفاصيل الحسية أو الدقيقة في التشبيه بقوله:” وليس على الشاعر إذا بالغ في وصف أن ينتهي إلى الغاية، ولايترك في الإفراط مذهبا”[31]. وبهذا التصور يبتعد الجرجاني عن التعصب للتراث القديم كما رأينا عند الآمدي.
هكذا تشكلت هاتين القراءتين (الآمدي، الجرجاني) لعمود الشعر العربي في نسق عربي خالص ونسق بدأ في الاحتكاك بالثقافات الأجنبية، دون أن يتأثر بها. فظهرت فئتين: فئة تتمثل القديم وتتعصب له، و لا ترى النموذج إلا فيه وبه. وفئة تتخذ موقفا وسطيا لا تنفي القديم وتؤمن بالجديد باعتباره يعبر عن مطالب الذات أو الحياة العربية العصرية. فالاختلاف بين القراء في هذه الفترة بالذات لا يرتبط أغلبه بالطاقة الجمالية في النص. بل بالنموذج الشعري الذي يؤمن به الناقد، وعن موقع الذات الناقدة منه. فالتصريح أو التضمين بالموقف من التراث الشعري القديم أو الحديث يكشف عن القوانين العامة التي تعكس تصور الناقد لعمود الشعر عند العرب. فالآمدي يشكل امتدادا لسلطة ثقافية معيارية قوية تحاول الهيمنة على الحكم على الشعر، وتتعصب للقدماء (النقد اللغوي)، في حين يجسد الجرجاني طبقة تحاول نبذ التعصب للقدماء والتعصب المذهبي وتقبّل المحدثين في الوقت نفسه. و هكذا يتبنى الجرجاني منهجا تطوريا في بناء نظرية عمود الشعر. “فالنظرية الشعرية في ذهنه حصيلة تراكم لمفهومات تكونت على مراحل”[32].
- – تلقي عمود الشعر عند المرزوقي: زمن التأويل التاريخي (Interprétation historique )
ارتبطت نظرية عمود الشعر عند الدارسين بأبي علي المرزوقي على الرغم من المجهودات التي بذلت قبله كما ذكرنا. لكن محاولة المرزوقي مبدعة ومتميزة، فقد بين فيها عناصر عمود الشعر ومقياس كل عنصر من هذه العناصر. استفاد من صياغة هذه النظرية مما اطلع عليه من الشعر العربي القديم، ومن الآراء النقدية التي سبقته. فبعد ابن طباطبا والآمدي والجرجاني أصبح الطريق معبدا لكي يحدد عمود الشعر كما قالته العرب.
يقول المرزوقي في مفهوم الشعر:”ومنهم من اختار الغلو حتى قيل”أحسن الشعر أكذبه”. لأن قائله إذا أسقط عننفسه تقابل الوصف والموصوف امتد فيما يأتيه إلى أعلى الرتبة، وأظهر قوته في الصياغة وتمهّره في الصناعة، واتسعت مخارجه وموالجه، فتصرف في الوصف كيف شاء، لأن العمل عنده على المبالغة والتمثيل، لا المصادقة والتحقيق. وعلى هذا أكثر العلماء بالشعر والقائلين له[33]“.
يفهم من النص أن تقابل الوصف والموصوف من خصائص القراءة المرجعية التي تنبني على المصادقة والتحقيق، أي أنها تحمل الشعر على الحقائق الواقعية على خلاف إسقاط التقابل بين الوصف والموصوف الذي يمتد فيه التأويل إلى أعلى الرتب لأن الشعر لديها مرتبط بالتصور والتأويل. أي، ” اعتبار الشعر تخيلا صميما يتعالق بالواقع في إطار من التأويل وخلق النماذج”[34]. وهذا هو موقف أكثر الشعراء وعلماء الشعر كما يرى المرزوقي. لذلك انبرى المرزوقي لتقديم بديل عن تصور الشعر وعن القراءات السابقة له مضيفا: “إنهم كانوا يحاولون شرفَ المعنى وصحتَه، وجزالةَ اللفظ واستقامتَه، والإصابةَ في الوصف- ومن اجتماع هذه الأسباب الثلاثة كثرت سوائر الأمثال، وشوارد الأبيات – والمقاربة في التشبيه، والتحام أجزاء النظم والتئامها على تخير من لذيذ الوزن، ومناسبة المستعار منه للمستعار له، ومشاكلة اللفظ للمعنى، وشدة اقتضائهما للقافية حتى لا منافرة بينهما. فهذه سبعة أبواب هي عمود الشعر، ولكل باب منها معيار(…)”.[35]
لم تكن العناصر التي أوردها المرزوقي في هذا النص خافية في معظمها على الآمدي أو الجرجاني. فقد اعتمد المرزوقي أربعة عناصر من نظرية عمود الشعر عند الجرجاني في الوساطة وهي:
- شرف المعنى وصحته؛ وجزالة اللفظ واستقامته؛
- والإصابة في الوصف؛ والمقـــــاربة في التشبيه؛
واستغنى عن العنصرين الآخرين الموجودين عند الجرجاني وهما:
- سوائر الأمثال وشوارد الأبيات؛
- الغزارة في البديهة.
فجعل الأول منهما مؤلفا من اجتماع العناصر الثلاثة الأولى، واستغنى نهائيا عن الثاني ولم يجعله من عناصر عمود الشعر. ثم أضاف ثلاثة عناصر وهي:
- التحام أجزاء النظم والتئامها على تخير من لذيذ الوزن؛
- مناسبة المستعار منه للمستعار له؛
- مشاكلة اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية حتى لا منافرة بينهما.
نلاحظ أن هذه العناصر جعلها المرزوقي عامة على الشعر الجيد القديم والحديث على السواء، كما فعل الجرجاني. والدليل على ذلك هو قوله في نهاية الحديث عن العناصر السبعة ومعاييرها: “فهذه الخصال عمود الشعر عند العرب، فمن لزمها بحقها وبنى شعره عليها فهو المفلق المعظم. والمحسن المقدم. ومن لم يجمعها كلها فبقدر سُهمته منها يكون نصيبه من التقدم والإحسان، وهذا إجماع مأخوذ به ومتبع نهجه حتى الآن”[36].
تبين أن المرزوقي يجسد القراءة التاريخية التي تطّلع على الأفق الحقيقي للتجربة الأدبية والنقدية. فالفهم التاريخي لا يكمن في إعادة بناء الماضي، بل في إظهار ما تم إغفاله من قبل القراءة الجمالية والاستعادية، أي عبر التمييز بين الفهم الماضي والأفق المعاصر، واتضح كيف أن معنى القصيدة الشعرية (عمود الشعر) عرف امتدادا تاريخيا من خلال تفاعل الوقع والتلقي[37].
- تأسيس أفق جديد للقراءة لدى المرزوقي:
لقد أسهمت القراءة التأويلية للمرزوقي في قراءته لعمود الشعر العربي في تأسيس أفق جديد في دراسة التاريخ الأدبي. ذلك أن تاريخية الأدب عامة ونظرية عمود الشعر خاصة من منظور نظرية التلقي تستند أولا إلى تجربة القراء إزاء عمود الشعر العربي، وثانيا إلى الوقع الذي تنطوي عليه فعالية هذا الشعر، مع ما يحدثه من ردود فعل مختلفة لدى القراء. ويتضح هذا الأفق الجديد خاصة في العناصر التي أضافها المرزوقي إلى ما جاء عند السابقين وهي:
1- التحام أجزاء النظم والتئامها على تخير من لذيذ الوزن:
يقصد بهذا العنصر تأليف الكلام عند الباث الشاعر، حيث يتم اختيار الكلمات حسب مواقعها حتى يأتي الكلام سلسا لا تعثر فيه. كما تأتي أجزاء القصيدة ملتحمة التحاما ومؤلفة تأليفا حسنا، فيأتي الانتقال بينها سلسا غير مبتور عما قبله. وعيار ذلك – كما يقول المرزوقي- الطبع واللسان. أي؛ “أن يكون الكلام الشعري عنده نابعا من طبع وسليقة متمكنين تمكنا تلقائيا من نظام الإخبار، ومسيطرين سيطرة تامة على مكونات اللغة”[38]. وبعد أن يتحقق هذا الالتحام والتأليف بين أجزاء النظم، ينبغي للشاعر أن يختار الوزن اللذيذ الذي يناسب هذه الأجزاء حتى يكون لكلامه إيقاع يطرب الذوق له وموسيقى تزيده جمالا. يقول: “وإنما قلنا ” على تخيُّرٍ من لذيذِ الوزنِ لأن لذيذَه يَطرَب الطَّبعُ لإيقاعه، ويُمازِجُه بصَفائِه، كما يطرَبُ الفهمُ لصواب تركيبِه، واعتِدالِ نُظومِه”[39].
يشترط المرزوقي في هذا العنصر أن يناسب الشاعر في الرسالة الشعرية مناسبة كلية بين التركيب الوزني والتركيب اللغوي والخطابي. وبانعكاس الوزن في اللغة والخطاب يتحقق الإيقاع في القصيدة في مختلف تجلياته أفقيا أو عموديا. فيكون معيار التفاعل بين القارئ والرسالة أن يطرب الطبع والفهم في المستويين الصوتي والتركيبي. وبذلك تكون للمكونات الصوتية في الرسالة الشعرية أهمية قصوى في علاقتها بالمكونات اللغوية والخطابية، مما جعل المكونات الصوتية في القصيدة الشعرية تتحكم في مستواها الدلالي[40]. ففي التواصل بالشعر –كما يقول إدريس بلمليح- ” لا نرسل في المستوى الصوتي شبكة من القيم الخلافية المنضبطة وفق محور المشابهة والمخالفة؛ وإنما ننتج أو نتلقى شبكة من القيم الوزنية المنضبطة بحسب التقابل الذي تتضمنه وحدات التقابل الشعري”[41]. مما يعني أن القيم الصوتية خاضعة خضوعا تاما للقيم الوزنية. وهذا يؤكد مدى اهتمام المرزوقي باختيار الوزن اللذيذ.
2- مناسبة المستعار منه للمستعار له:
لقد سُبق المرزوقي إلى هذا الركن عبر المطالبة بالمشابهة بين المستعار منه والمستعار له كما نجد عند الآمدي[42]. أما الجرجاني فلم يشر إلى الاستعارة ولم يجعلها قاعدة أساسية. فالعرب في رأيه: “لم تكن تعبأ بالتجنيس والمطابقة ولا تحفل بالإبداع والاستعارة إذا حصل لها عمود الشعر ونظام القريض”[43]. أما المرزوقي فقد تحدث عن الاستعارة قائلا: ” مناسبة المستعار منه للمستعار له” ثم يضيف: ” وعيار الاستعارة الذهن والفطنة. وملاك الأمر تقريب التشبيه في الأصل حتى يتناسب المشبه والمشبه به، ثم يكتفى فيه بالاسم المستعار لأنه المنقول عما كان له في الوضع إلى المستعار له”[44].
ينظر المرزوقي إلى الاستعارة باعتبارها تشبيها عدل فيه عن ذكر المشبه، وأقيم المشبه به مقامه، على خلاف من يرى بأن الاستعارة هي مجاز مرسل علاقته المشابهة. فالرأي الأول ينظر إليها باعتبارها قضية تصورية بين مظهرين موجودين (المستعار والمستعار له) قبل أن ينعكسا في اللغة الدالة على هذا التصور. هنا يحاول المتلقي أن يناسب بين هذين الحقلين التصوريين المختلفين تناسبا لا حدّ له. لهذا جعل المرزوقي عيارها الذهن والفطنة. في حين أن الرأي الثاني يقف على مستوى اللغة فيحدد الاستعارة عن طريق الجامع بين الطرفين ضمن مجال لغوي محدد، لذلك يكون عيارها هنا العقل والقياس بين طرفين الاستعارة. ولاشك أن هذا التصور الأخير يحُدّ من مجال التصور لدى المتلقي (المقومات الجامعة) لأنه يحاول ربطه ببعد مرجعي مادي[45].
هكذا تجاوزت القراءة التأويلية عند المرزوقي، التي تفتح آفاقا للمتلقي، التصور المرجعي الذي يظهر في تفاعل الآمدي مع استعارات البحتري، وتفاعل الجرجاني مع القدماء والمحدثين خاصة.
كما ننبه في توجه المرزوقي إلى قيمة الاعتدال التي تبناها في الفعل الإبداعي والنقدي ودافع عنها؛ فهو يجانب التعصب المذهبي كما ظهر عند الآمدي وأتباعه، ويجافي الإفراط والغلو في مذهب الصنعة كما ظهر عند أبي تمام ومن نحا نحوه. يقول معلقا على عناصر عمود الشعر: بـــــ” أن لهذه الخصال وسائط وأطرافا، فيها ظهر صدق الواصف، وغلو الغالي، واقتصاد المقتصد”[46]. وهو بذلك يتبنى موقف الجرجاني في الحرص على الاعتدال ومجافاة الإفراط في الصنعة وتجاوز المألوف. وهذا الرأي يدفعنا إلى أن عمود الشعر بهذه الخصال التي وضعها الناقد إطار مرن لا يمكن معه أن نعد كل من تجاوزه خارج عن شعر العرب “خاصة إذا كانت تلك الخصال أو هذه القواعد مجرد جزئيات سوف تتطور وتتبدل داخل المسار الزمني والحضاري، وهو مسار متجدد ومتحول”[47].
3- مشاكلة اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية:
بعد أن تتحقق المشاكلة بين اللفظ والمعنى يهتم عمود الشعر باختيار القافية المناسبة الجيدة والتي يتشوّقها المعنى واللفظ. فهي كالموعود به المنتظر– كما يقول المرزوقي- أي أنها قافية يسوق إليها المعنى سوقا، وتتلاحم مع ألفاظ البيت تلاحما قويا تركيبيا، وإيقاعيا، ودلاليا. وهذا لا يتحقق إلا مع “طول الدربة ودوام الممارسة”[48]. فالشاعر مطالب بقدر من الممارسة للفعل الشعري. وبالقدر نفسه لا يمكن للقارئ/ الناقد نفسه استيعاب فعل النص والتواصل معه إلا إذا تفاعل مع الحقول التصورية التي تفاعل معها الباث/الشاعر من قبل حتى يتلقى الرسالة بشكل إيجابي، ومن ثمة يستطيع أن يُنتج ردود فعل متجانسة إزاء الرسالة الشعرية.
هكذا يكون المرزوقي وفق تفاعله مع عمود الشعر والقراءات السابقة له قد حَسّن من قدراته التحليلية والتأويلية التي تتوخى إثراء بناء معنى عمود الشعر عند العرب. ووفق التصنيف الذي وضعه أيزر Iser لأصناف القراء يستحق المرزوقي أن يوصف بالقارئ الخبير[49]ــle lecteur informé. فهو يمتلك معرفة واسعة بلغة الشعر وأدواته، وله إلمام واسع بمعرفة الدلالات وفهمها، إضافة إلى امتلاكه لقدرة أدبية ونقدية[50]. لذلك كان في مقدوره أن يخصب المعلومات الموجودة في النصوص التي تلقاها. اجتهد في تلقي نظرية عمود الشعر، وذهب في تأويل النصوص إلى أبعد حد، وفتح الأفق لجميع الشعراء في الالتزام بالخصال السبعة المذكورة، وفي جودة الشعر. ومهما كان اجتهاد الشاعر فهو لم يخرجه من دائرة عمود الشعر، فبقدر سَهمه منه يكون نصيبه.
لقد جسد المرزوقي زمن تشكل القراءة التاريخية بتأويلاته المنفتحة على خلاف ما كان عليه الأمر في قراءتي الآمدي والجرجاني. وحرص على إعادة بناء السياق التاريخي الذي تشكلت فيه نظرية عمود الشعر باعتباره أثرا فنيا تنبثق عنه تبريرات موازية، ويتطور بتطور آفاق انتظار القراء التي تفاعلت معه. كما ألمح بشكل ضمني إلى العلاقة الحوارية بين العمود وقراء مختلفي التصورات. غير أن هذا التقسيم الثلاثي لأزمنة القراءات الثلاث: الآمدي (زمن القراءة الجمالية)، الجرجاني (زمن القراءة الاستعادية)، المرزوقي (زمن القراءة التاريخية) لا يتجاوز أن يكون صوريا كما أشار إلى ذلك ياوس Jauss في تنظيره للأزمنة الثلاثة لآفاق القراءة[51]، والتي حاول البحث من خلالها استكشاف مراحل التأويل والتلقي لعمود الشعر.
خاتمة
شكلت النظرة إلى الأعمال الأدبية في تسلسلها الزمني دون انفصالها عن مسار التاريخ أساس نظرية التلقي في مقاربتها للنصوص الإبداعية. وهذا ينسجم ونظرية عمود الشعر عند العرب المتحدث عنها والتي لا تقبل الجمود، إذ تسعى إلى الإضافة والتغيير والتطور عبر مراحل تشكلها دون أن يؤثر ذلك في مكوناتها الجوهرية. هذا وقد أسهمت هذه التفاعلات بين الطرفين في تشكل نظرية عمود الشعر.
إن فهم نصوص عمود الشعر وتأويل دلالاتها انسجاما مع المعيار الجمالي السائد يتوقف -كما يرى ياوس Jauss- على ما يتبناه قراء يتميزون بمرجعيات مختلفة من تفاعل جمالي ممتد. وانسجاما مع هذا الرأي شكل الآمدي، والجرجاني، والمرزوقي في تاريخ عمود الشعر سيرورة مطردة من التلقي والإنتاج الجماليين. وهذا يرتبط ارتباطا وثيقا بالأطروحة المركزية عند ياوس التي تولي اهتماما كبيرا لأفق التوقع والأسس المكونة له. وقد خلصنا في هذه الدراسة إلى استنباط ثلاثة نماذج قرائية أساسية أسهمت في بناء نظرية عمود الشعر عند العرب إبداعا ونقدا وهي:
- قراءة نقدية أولية تمثل الدهشة الجمالية، ويمثلها: الآمدي؛
- قراءة نقدية شمولية استعادية، ويمثلها: القاضي الجرجاني؛
- قراءة نقدية تحليلية تأويلية، ويمثلها: أبو علي المرزوقي.
إن هذه القراءات النقدية وهي تتناول عمود الشعر العربي تولّد أدبيّتها. فقد شكلت قراءة الآمدي للشعر العربي عبر اختيار نموذجين فنيين (البحتري، أبو تمام) أفق قراءة أولية ترجمت الدهشة الجمالية والإعجاب الفني لديه معا. فانشطر أفق الانتظار عنده إلى شطرين:
- أفق ربط النص الشعري بالنموذج الموروث عن القدماء، وآمن بعدم الخروج عنه. وهذا الأفق كان خاضعا لشروط البنيات المركزية المألوفة في تأويل النص الشعري للبحتري لدى الآمدي.
- أفق اعتبر النص الشعري مخالفا للقيم الجمالية، حيث فُصل فيه الفعل الشعري عن القيم المألوفة. مما نتج عنه تصادم الأفقين: أفق انتظار الناقد، وأفق انتظار نص أبي تمام.
أما القراءة الاستعادية فقد تشكلت لدى الجرجانيى عبر تسويغ الدهشة الجمالية من خلال تغيير الأفق الذي فتح أمام التجربة الجمالية إلى أفق للفهم والتأويل. فقد استند إلى توقعاته المتنامية بمختلف أنماط النص الإبداعية، فشملت قراءته مجموع النصوص الممكنة لعمود الشعر العربي في التوجهين السائدين. ومعنى ذلك أن خصائص عمود الشعر عند الجرجاني تتوافر في الشعر القديم و الحديث على السواء. وقد كان أبو الطيب المتنبي نموذجا عنده في الدفاع عن الشعر المحدث لطواعية مكوناته النصية في الاستجابة لأفق توقعات القراء. لذلك نجد المرزوقي يقترح تصورا يتبنى “النمط الأوسط” الذي يوفق بين التراث والتطور، أو بين عمود الشعر والحياة الجديدة.
إن الاختلاف بين القراءات السابقة لا يرتبط أغلبه في كثير من الأحيان بالطاقة الجمالية الكامنة في النص. بل بالنموذج الشعري الذي يؤمن به الناقد وعن موقع الذات الناقدة منه. فالآمدي يشكل امتدادا لسلطة ثقافية معيارية قوية تحاول الهيمنة على الحكم على الشعر، وتتعصب للقدماء، في حين يجسد الجرجاني طبقة تحاول نبذ التعصب للقدماء والتعصب المذهبي وتَقبّل المحدثين في الوقت نفسه. فكانت النظرية الشعرية لديه هي حصيلة تراكم لمفهومات عبر مراحل زمنية.
وإذا كانت الصورة هي جوهر الشعر، فإن القراءة المرجعية انبنت على المصادقة والتحقيق، حيث تقابل الوصف والموصوف كما جاء عند الآمدي في حين يذهب المرزوقي إلى إسقاط التقابل بين الوصف والموصوف فيمتد التأويل في الصورة إلى أعلى الرتب. وبذلك أسهمت القراءة التأويلية في قراءتها لعمود الشعر العربي في تأسيس أفق جديد في دراسة التاريخ الأدبي. وهكذا تجاوزت القراءة لدى المرزوقي، التي تفتح آفاقا للمتلقي، التصور المرجعي الذي يظهر في تفاعل الآمدي مع استعارات البحتري، وتفاعل الجرجاني مع شعر القدماء والمحدثين. امتلك المرزوقي معها قدرة أدبية ونقدية مكنتهمن أن يخصب المعلومات الموجودة في النصوص التي تلقاها اعتمادا على التأويل. وبالتالي فتح الأفق لجميع الشعراء في الالتزام بالخصال السبعة التي ذكرها في جودة الشعر. ومهما كان اجتهاد الشاعر فهو لن يخرج من دائرة عمود الشعر، فبقدر سَهمه منها يكون نصيبه.
لقد أعاد المرزوقي بناء السياق التاريخي الذي تشكلت فيه نظرية عمود الشعر باعتباره أثرا فنيا تنبثق عنه تبريرات موازية، ويتطور بتطور آفاق انتظار القراء التي تفاعلت معه. غير أن هذا التقسيم الثلاثي لأزمنة القراءات: الآمدي (زمن القراءة الجمالية)، الجرجاني (زمن القراءة الاستعادية)، المرزوقي (زمن القراءة التاريخية) لا يتجاوز أن يكون صوريا، كما نظَّر لذلك “ياوس” في مراحل تلقي الآثار الفنية.
المصادر والمراجع:
باللغة العربية:
- أبو السعد، عبد الرؤوف. مفهوم الشعر في ضوء نظريات النقد العربي ، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الأولى، 1983.
- بلمليح، إدريس. المختارات الشعرية وأجهزة تلقيها عند العرب من خلال المفضليات وحماسة أبي تمام، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مطبعة النجاح الجديدة بالبيضاء، الطبعة الأولى 1995.
- ابن خلكان. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، 1971.
- بنكراد، سعيد. التيارات النقدية الجديدة (الأصول النظرية وشروط الاستنبات) ضمن مجلة “سياقات” القاهرة، العدد الأول، السنة الأولى، صيف 2008.
- الجمحي، ابن سلام. طبقات فحول الشعراء، قرأه وشرحه محمود محمد شاكر، مطبعة المدني بجدة، 1980.
- حمودة، عبد العزيز. المرايا المقعرة، نحو نظرية نقدية عربية، عام المعرفة، عدد 272، مطابع الوطن، الكويت، أغسطس 2001.
- ارحيلة، عباس. “الأثر الأرسطي في النقد والبلاغة العربيين إلى حدود القرن الثامن الهجري” ، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط،، مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء، 1999.
- رينيه، ويليك. مفاهيم نقدية، ترجمة محمد عصفور، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، فبراير 1987.
- الآمدي. الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري، ، تحقيق أحمد صقر، الطبعة الرابعة، دار المعارف، القاهرة، 1992.
- الجرجاني، علي بن عبد العزيز. الوساطة بين المتنبي وخصومه، تحقيق أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاوي، المكتبة العصرية، بيروت، 2010.
- الأسد، ناصر الدين، مصادر الشعر الجاهلي، وقيمتها التاريخية، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الخامسة، 1978.
- محمود المصفار، الشعرية العربية وحركية التراث النقدي، مقاربة مقارنة بين قدامة وحازم، مطبعو سوجيك، صفاقس ، تونس، 1999.
- المرزوقي، أبو علي. شرح ديوان الحماسة، تحقيق أحمد آمين وعبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت، ط.1، 1991.
- مصطفى، ناصف. قراءة ثانية لشعرنا القديم، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت. لبنان.
- مؤلف جماعي. انتقال النظريات والمفاهيم، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، مطبعة النجاح الجديدة – البيضاء، الطبعة الأولى 1999.
- صبحي، محي الدين. نظرية الشعر العربي من خلال نقد المتنبي في القرن الرابع الهجري، الدار العربية للكتاب، الطبعة الأولى 1981.
- طايعي، أحمد. القراءة بالمماثلة في الشعرية العربية القديمة، زاوية للفن والثقافة، الرباط، الطبعة الأولى 2007.
- عيد، رجاء. التراث النقدي، نصوص ودراسة، منشأة المعارف بالاسكندرية، سنة 1983.
- عودة، ناظم. تكوين النظرية في الفكر الإسلامي والفكر العربي المعاصر، دار الكتاب الجديد المتحدة، الطبعة الأولى 2009.
باللغة الأجنبية:
- H.R.Jauss, Pour une esthétique de la réception, édit : Gallimard, Paris 1978.
- H.R.Jauss. pour une herméneutique littéraire, Edit: Gallimard. Parie, 1988.
- W. G. Iser, L’acte de lecture: théorie de l’effet esthétique, mardaga-Bruxelles 1985.
[1] – « Theory », in London Dictionary of Comtemporary English,ect. 1995.
نقلا عن عبد العزيز حمودة، المرايا المقعرة، نحو نظرية نقدية عربية، عام المعرفة، عدد 272، مطابع الوطن، الكويت، أغسطس 2001، ص. 198.
[2] – ميجان الرويلي وسعد البازغي، المركز الثقافي العربي، بيروت، الطبعة الخامسة 2007، ص. 277 – 278.
[3] – ناظم عودة، تكوين النظرية في الفكر الإسلامي والفكر العربي المعاصر، دار الكتاب الجديد المتحدة، الطبعة الأولى 2009، ص.38-41.
[4] – المرجع نفسه، ص. 45.
[5] – رينيه ويليك، مفاهيم نقدية، ترجمة محمد عصفور، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، فبراير 1987، ص. 10- 11.
[6] – المرجع نفسه، ص. 7.
[7] – سعيد بنكراد، التيارات النقدية الجديدة (الأصول النظرية وشروط الاستنبات) ضمن مجلة “سياقات” القاهرة، العدد الأول، السنة الأولى، صيف 2008، ص.25.
[8] – H.R.Jauss, Pour une esthétique de la réception, édit : Gallimard, Paris 1978, p. 49-pour une herméneutique littéraire édit : Gallimard, Paris 1988, p.25-26.
[9] – انظر: سعيد يقطين، انتقال النظريات السردية (المشاكل والعوائق)، ضمن مؤلف جماعي: انتقال النظريات والمفاهيم، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، مطبعة النجاح الجديدة – البيضاء، الطبعة الأولى 1999، ص.56.
[10] – عبد الرؤوف أبو السعد، مفهوم الشعر في ضوء نظريات النقد العربي ، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الأولى، 1983، ص. 15.
[11] – ابن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء، قرأه وشرحه محمود محمد شاكر، مطبعة المدني بجدة، 1980، ج1، ص. 5.
[12] – مصطفى ناصف، قراءة ثانية لشعرنا القديم، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان (ب ت)، ص. 46.
[13] – ابن سلام الجمحي، طبقات فحول الشعراء، ج1، ص. 24.
[14] – ناصر الدين الأسد، مصادر الشعر الجاهلي، وقيمتها التاريخية، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الخامسة، 1978، ص. 18.
[15] – انظر المرجع نفسه، ص. 290.
[16] – ابن خلكان. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، 1971،ج 4، ص. 154.
[17] – انظر: محمود المصفار، الشعرية العربية وحركية التراث النقدي، مقاربة مقارنة بين قدامة وحازم، مطبعو سوجيك، صفاقس ، تونس، الطبعة الأولى 1999، ص. 16.
[18] – الآمدي، الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري، ، تحقيق السيد أحمد صقر، الطبعة الرابعة، دار المعارف، القاهرة، 1960،ج1.ص423.
[19] – المصدر نفسه،ج1، ص. 4-5.
[20] – رينيه ويليك، مفاهيم نقدية، ص. 11.
[21] – الموازنة،ج1، ص12.
[22] – المصدر نفسه، ج1، ص.425.
[23] – Pour une esthétique de la réception, édit : Gallimard, Paris 1978, p. 60-61.
[24] – علي بن عبد العزيز الجرجاني، الوساطة بين المتنبي وخصومه، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاوي، المكتبة العصرية، بيروت،2010، ص. 23.
[25] – المصدر نفسه، ص.38- 39.
[26] – الجرجاني، الوساطة، ص. 51.
[27] – المصدر نفسه، ص. 55.
[28] – أحمد طايعي، القراءة بالمماثلة في الشعرية العربية القديمة، زاوية للفن والثقافة، الرباط، الطبعة الأولى 2007، ص.26.
[29] – الجرجاني، الوساطة، ص. 30.
[30] – محي الدين صبحي، نظرية الشعر العربي من خلال نقد المتنبي في القرن الرابع الهجري، الدار العربية للكتاب، الطبعة الأولى 1981، ص. 136.
[31] – الجرجاني، الوساطة، ص. 379.
[32] – محي الدين صبحي، نظرية الشعر عند العرب، ص. 137.
[33] – أبو علي المرزوقي، شرح ديوان الحماسة، نشره أحمد آمين وعبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت، ط 1، 1991، ج1، ص.1.
[34] – إدريس بلمليح، المختارات الشعرية وأجهزة تلقيها عند العرب من خلال المفضليات وحماسة أبي تمام، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مطبعة النجاح الجديدة بالبيضاء، الطبعة الأولى 1995، ص. 450.
[35] – المرزوقي، شرح ديوان الحماسة، ج1، 9.
[36] – المرزوقي، شرح ديوان الحماسة، ج1، ص. 11.
[37] – H.R.Jauss. pour une herméneutique littéraire, Edit: Gallimard. Parie, 1988, p.394.
– إدريس بلمليح، المختارات الشعرية، ص. 453. [38]
[39] – شرح ديوان الحماسة، ج1، ص.10.
[40] – انظر: إدريس بلمليح، المختارات الشعرية، ص. 165.
[41] – المرجع نفسه، ص. 156
[42] – الآمدي، الموازنة: 266.
[43] – الجرجاني، الوساطة، ص. 38.
[44] – شرح ديوان الحماسة، ج1، ص. 10-11 .
[45] – للتفصيل انظر: المختارات الشعرية، ص. 454- 456.
[46] – المرزوقي، شرح ديوان الحماسة، ج1/11 .
[47] – رجاء عيد، التراث النقدي، نصوص ودراسة، منشأة المعارف بالاسكندرية، سنة 1983، ص. 152.
[48] – شرح ديوان الحماسة، ج1، ص.11.
[49] – W. G. Iser, L’acte de lecture: théorie de l’effet esthétique, mardaga-Bruxelles 1985, p.70.
[50] – المرجع نفسه، ص. 66.
[51] – H.R.Jauss. pour une herméneutique littéraire, p. 357-358.